الامام البخارى هو
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (13 شوال 194 هـ - 1 شوال 256 هـ) / (20 يوليو 810 م - 1 سبتمبر 870 م). أحد كبار الحفّاظ الفقهاء من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل عند أهل السنة والجماعة، له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم صحيح البخاري، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وقد أمضى في جمعه وتصنيفه ستة عشر عاماً.
[9] نشأ يتيماً وطلب العلم منذ صغره وقام برحلات في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وسمع من قرابة ألف شيخ وجمع حوالي ستمائة ألف حديث اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه، حتّى لقّب بأمير المؤمنين في الحديث.
وتتلمذ عليه كثير من كبار أئمة الحديث كمسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي وغيرهم، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً مجرّداً للحديث الصحيح. ومن أوّل من ألّف في تاريخ الرجال. امتُحن أواخر حياته وتُعصّب عليه حتى أُخرج من نيسابور وبخارى فنزل إحدى قرى سمرقند فمرض وتوفيّ بها.
أبو عبدالله بن أبي الحسن، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه، الجعفي مولاهم، البخاري.
فأمَّا الجعفي: فنسبة إلى يمان الجعفي الذي أسلم على يديه المغيرة جَدّ البخاري، وكان قبلُ مجوسيًّا، فنُسِب إليه نسبة ولاء إسلام وقد اختلف المؤرخون حول أصله، عربي أم فارسي أم تركي ،فذكر عدد من العلماء أن جدّه الأكبر هو الأحنف الجعفي وأن "بَرْدِزبَه" صفة
وليس اسم وتعني "الفلاح" وهو ما تعود العرب عليه في البلدان الأعجمية،
وأمَّا البُخاري: فنسبة إلى مدينة "بُخارى" الواقعة في بلاد ما وراء النَّهر، وهي الآن تقع في الجزء الغربي من جمهورية "أُوزبكستان".
ولد
يوم الجمعة بعد صلاتها، لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر شوَّال، سنة أربع
وتسعين ومائة، "بِبُخارى"، وقد ذكر البخاري أنَّه وجد تاريخ مولده بخطِّ
أبيه.
مات أبوه وهو صغير، فنشأ في حِجْر أمِّه، وكان أبوه قد ترك مالاً أعان أمَّه على تنشِئته وتربيته التربية الكريمة، قال أبوه "إسماعيل" عند وفاته: "لا أعلم في مالي درهمًا من حرامٍ ولا شبهةٍ".وتربّى في بيت علم إذ كان أبوه من العلماء المحدّثين، واشتهر بين الناس بسمته وورعه، ورحل في طلب الحديث وروى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد كما رأى عبد الله بن المبارك
ذهبت عيناه في صِغَره، فرأت أمُّه خليلَ الرحمن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في المنام، فقال لها: "يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك أو بكائك"، فأصبح وقد ردَّ الله له بصره.
♦ طلبه للعلم والحديث ورحلاته:
ظهر نبوغه
العلميُّ في سنٍّ مبكرة وهو ابن عشر سنين، فبدأ بطلب العلم ببلدِه
"بُخَارَى" قبل أنْ يرتحلَ منها، وفي ست عشرة سنة حفظ كُتب ابن المبارك
ووكيع
ومال البخاري إلى طلب العلم وحفظ الأحاديث وتحقيقها وهو حديث السنّ، فدخل الكتّاب صبيًا فأخذ في حفظ القرآن الكريم
وأمهات الكتب المعروفة في زمانه، حتى إذا بلغ العاشرة من عمره، بدأ في حفظ
الحديث، والاختلاف إلى الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات الدروس،
وبالإضافة إلى حفظ الحديث فإنه كان حريصاً على تمييز الأحاديث الصحيحة من
الضعيفة ومعرفة علل الأحاديث وسبر أحوال الرواة من عدالة وضبط ومعرفة
تراجمهم وإتقان كلّ ما يتعلّق بعلوم الحديث عموماً. ثم حفظ كتب عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وهو ابن ست عشرة سنة، وفي تلك السنة حوالي عام 210 هـ خرج من بخارى راحلًا إلى الحج
بصحبة والدته وأخيه أحمد، حتى إذا انتهت مناسك الحج رجعت أمه مع أخيه إلى
بلدها، بينما تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، فلبث في مكة مدّة ثم رحل إلى المدينة النبوية وهناك صنّف كتاب التاريخ الكبير وعمره ثماني عشرة سنة. قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم تلميذ البخاري وورّاقه وصاحبه: «قلت
للبخاري: كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث فى المكتب ولى عشر سنين
أو أقل، وخرجت من الكتّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره،
فقال يوماً فيما يقرأ على الناس: سفيان عن أبى الزبير عن إبراهيم. فقلت له:
إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني. فقلت له: ارجع إلى الأصل.
فدخل ثم خرج فقال لي: كيف يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدى عن إبراهيم. فأخذ
القلم مني وأصلحه. وقال: صدقت.» قال: «فقال
للبخاري بعض أصحابه: ابن كم كنت؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت فى ست
عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمى
وأخى أحمد إلى مكة فلما حججت رجع أخى بها وتخلفت فى طلب الحديث، فلما طعنت
فى ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام
عبيد الله بن موسى وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر النبى صلى الله عليه
وسلم فى الليالى المقمرة وقل اسم فى التاريخ إلا وله عندى قصة، إلا أنى
كرهت تطويل الكتاب.»
رحلاته العلمية
تعددت رحلات الإمام البخاري العلمية للأخذ عن الشيوخ، والرواية عن المحدّثين، فزار أكثر البلدان والأمصار الاسلامية في ذلك الزمان للسماع من علمائه
فكان أول ارتحاله في طلب العلم الى مكة ، وكان ذلك حوالي سنة عشر ومائتين،
ثمَّ رحل إلى المدينة، والشام، ومصر، ونَيسابور، والجزيرة، والبصرة،
والكوفة، وبغداد، وواسط، ومرو، والرّيّ، وبَلْخ، وغيرها، قال الخَطيب: "رحل في طلب العلم إلى سائر محدِّثي الأمصار
شيوخه ومن روى عنهم
أتاحت
للإمام البخاري رحلاته الكثيرة وتطوافه الواسع في الأقاليم لقاء عدد كبير
من الشيوخ والعلماء، حتى بلغوا أكثر من ألف رجل. قال البخاري: «كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث.» وقال: «دخلت بلخ فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ.» ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، فقد سئل مرة عن خبر حديث فقال: « يا أبا فلان تراني أدلس؟! تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر.»
وقد قسَّم الحافظ ابنُ حجر شيوخ البخاري إلى خمس طبقات:
الأولى: مَن حدَّثه عن التابعين، وهم أتباع التابعين، مثل محمد بن عبدالله الأنصاري، ومكي بن إبراهيم، وعُبيدالله بن موسى، وغيرهم.
الثانية: مَن كان في عصر هؤلاء لكنَّه لم يسمع من ثِقات التابعين، كآدم بن أبي إياس، وسعيد بن أبي مريم، وأيوب بن سليمان، وأمثالهم.
الثالثة:
وهي الوسطى من مشايخه، وهم مَنْ لم يَلْقَ التابعين، بل أخذ عن كبار
تَبَعِ الأتباع، كسليمان بن حرب، وقتيبة بن سعيد، وابن المديني، وابن معين،
وابن حنبل، وإسحاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأمثالهم، وهذه الطبقة قد شاركه
"مسلم" في الأخذ عنهم.
الرابعة:
رفقاؤه في الطلب، ومَن سمع قبله، كمحمد بن يحيى الذُّهْلي، وعبد بن
حُمَيد، وأبي حاتم الرازي، وجماعة من نظرائهم، وإنَّما يخرج عن هؤلاء ما
فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم.
الخامسة:
وهم في عِداد طلبته في السنِّ والإسناد، وقد سمع منهم للفائدة، كعبدالله
بن حمّاد الآملي، وعبدالله بن أبي العاص الخوارزمي، وحسين بن محمد القباني،
وغيرهم. وقد روى عنهم أشياء يسيرة، وعمل في الرواية عنهم لما قاله "وكيع": "لا يكون الرجل عالِمًا حتى يُحدِّث عمَّن هو فوقه، وعمَّن هو مثله، وعمَّن هو دونه
تلامذته:
أخذ عنه خلقٌ كثيرٌ لا يُحصَون، قال الحافظ صالح بن محمد الملقَّب (جزرة): " كان يجتمع له في "بغداد" وحدَها أكثر من عشرين ألفًا يكتبون عنه".
وكان بين يديه ثلاثة مستملين، وسَمِع منه الصحيح ما يَقْرب من تسعين ألفًا.
وممَّن أخذ عنه من العلماء المشهورين: الإمام مسلم بن الحجَّاج صاحب "الصحيح"، والإمام محمد بن سورة الترمذي صاحب "الجامع"، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيَّان، وابن خزيمة، وصالح بن محمد (جزرة)، وغيرهم
ولم يقتصر الانتفاع من البخاري على التلاميذ بل شملت شيوخه، قال البخاري: «ما قدمت على أحد إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به.» وقد أدرك هذا الامتياز أساتذته الكبار وقدّروه حتى منذ صغره. يقول البخاري: «دخلت
على الحميدي وأنا ابن ثمان عشرة سنة يعني أول سنة حج فإذا بينه وبين آخر
اختلاف في حديث فلما بصر بي قال جاء من يفصل بيننا فعرضا علي الخصومة فقضيت
للحميدي وكان الحق معه.» وقال أبو بكر الأعين: «كتبنا عن البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي، وما في وجهه شعرة فقلنا: ابن كم أنت؟ قال: ابن سبع عشرة سنة.»
قال البخاري - رحمه الله -: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح".
وقال: "كتبتُ عن ألف شيخ وأكثر، عن كلِّ واحدٍ منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده".
وقال
محمد بن أبي حاتم الورَّاق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو
عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب حتى أتى
على ذلك أيام، فكنَّا نقول له: إنَّك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال
لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: "إنَّكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما، فاعرضا عليَّ ما كتبتما"،
فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلَّها عن
ظهر قلب، حتى جعلنا نُحْكِمُ كُتُبَنَا من حفظه، ثمَّ قال: أترون أني أختلف هَدَرًا، وأضيِّع أيَّامي؟! فعرفنا أنَّه لا يتقدَّمه أحدٌ.
اهم مؤلفاتة
أجلُّها: "الجامع الصحيح"، "الجامع الصغير"، "الجامع الكبير"، "الأدب المفرد"، "أسامي الصحابة"، "الأشربة"، كتب التاريخ: الكبير والأوسط والصغير، "التفسير الكبير"، "خلق أفعال العباد"، "رفع اليدين في الصلاة"، "الضعفاء الصغير"، "العلل"، "الفوائد"، "القراءة خلف الإمام"، "قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم"، "الكُنَى"، "المبسوط"، "المسند الكبير"
بعد نفيه استقرَّ بإحدى قُرى سمرقند تُدعَى: "خَرْتَنْك"،
فكان له بها أقرباء أقام عندهم أيَّامًا، مرض مرضًا شديدًا، فسُمِع ليلةً
وقد فرغ من صلاة الليل يقول: "اللهم إنَّه قد ضاقت عليَّ الأرض بما
رَحُبَت، فاقبضني إليك"، فما تمَّ الشهر حتى مات.
توفي
البخاري ليلة السبت، وهي ليلة عيد الفطر آنذاك، عند صلاة العشاء، ودُفِنَ
يوم الفطر بعد صلاة الظهر بخَرْتَنْك، سنة ست وخمسين ومائتين، عاش اثنتين
وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، جزاه الله عن المسلمين خيرًا، وأجزل
مثوبته.
المصدر:
الموسوعه الحرة
شبكة الالوكة